حلم ومدرسة (تتمة)

 المدرسة.


الخميس 20 شتنبر 2007 الواحدة زوالا

  كان ولابد بالنسبة لي أن أكتب ما حدث هذا النهار, لأسجل كيف سار يومي, ومع أنني أتحرق لكي أحدث أحدا بمشاعري وأجعله صديق لي, فل أتخد اذا قلمي هذا بديل للساني الدائم التلعثم الذي خانني, وكتابي هذا خير رفيق يسمع أسراري ويحفظ مشاعري, وتقاسيم وجهي لا تفي بالغرض أحيانا, بالكاد يفهمون ما بي وما سبب علتي, فكم من مرة ألجأ الى الصراخ كوسيلة أعبر بها عن سخطي وقلقي وانزعاجي, لكن من سيسمع من عانى دوما من خسة الصداقة من الجنس البشري.

  فلتكن يا قلمي إذا أمينا في كتابة ما أفكر به وأشعر به.



  منذ ثلاث أيام أصبحنا نسكن منزلا صغيرا في حي جديد. لم تعد أمي قادرة في المضي قدما مع تعسفات السيدة زينب, تلك السيدة الثرية التي تحسب نفسها تتملكنا لشدة عوزنا, وحاجة أمي الملحة في العمل لديها كان كافية لتظن السيدة زينب ذلك, وقد بلغ منها اليقين في ذلك أفضع منزلة, حيث جعلتني أبكي يوما عندما تجرأت وسمعتها توبخ أمي ببضع كلمات نابية وقاسية التي تجرح كرامتها النبيلة وتمس بشرفها, غير أنني أسامحها اليوم, فمهما فعلت, تبقى السيدة زينب هي جزء مهم من سيرة حياتنا.

اليوم أول يوم لي أنا وأخي و كراسينا المتحركة في المدرسة الجديدة, وأحمد الله وأشكر أمي التي وفقت في ايجاد منزلنا الجديد والتي كانت تصر على السماسرة بأن يكون قريبا جدا من المدرسة. رافقتنا أمي هذا الصباح الى المدرسة, و تركتنا وسط مجموعة من الصبيان في مثل عمري وسرعان ما ابتعدوا عنا, وكم كان نشاطهم مفرطا وهرجهم مدويا, غير أنني كنت سعيد جدا اليوم. لحت ببصري في كل الأرجاء أتعرف المدرسة, أرى أطفالا يمرحون يجرون في كل مكان يملئ قلبهم السرور و البهجة, ورأيت معلمين جالسين معا يتبادلون أطراف الحديث, وكما يبدوا أنا وأخي كنا الوحيدين المقعدين على كرسي متحرك من بين كل  هؤلاء في المدرسة.

   رن الجرس وحان وقت دخول القسم, جرى الجميع كل صوب فصله. أدرت عجلات الكرسي وانطلقت, غير أن عتبة ترتفع عن الأرض عشرين سنتمترا تقريبا كانت جاثمة تصدني عن باب القسم, حاولت جاهدا صعود العتبة أدرت العجلات مرار وتكرارا بمشقة بالغة  لكن دون جدوى كان تحديا رهيبا يومها, منعتني العتبة العاصية للأوامر اللطف من دخول القسم, وقد سبقني الجميع في اختيار مقعده المناسب وغص القسم بالأطفال.

  دفعني أحدهم من الخلف مساعدة منه واعتلت العجلات ظهر العتبة الشريرة, ودخلت قسمي أخيرا, واستمر المساعد في دفعي حتى توسطت انا وكرسي المتحرك صالة القسم, ثم دنا نحوي وسألني :

-   هل أخترت مكانا لك ؟

لم ألتفت الى الخلف لأنظر اليه, حاولت شكره بتأتأة كلمات, أدرت العجلة واتجهت نحو طاولة شاغرة, غير أنني سرعان ما أدركت بأنه زميلي في الصف, وقد جلس أيضا في المقعد المجاور بالقرب من مقعدي, التفت اليه نظرت اليه وابتسم, كان يبدوا لطيفا جدا وأنيقا, وعلى نحو غريب شعرت وكأنني أعرفه من قبل.

 صمت الجميع لما شاهدوا معلمنا يلج القسم برشاقة بادية في محياه, والقى علينا التحية ثم أخد ملفا وبدأ يتعرف على الجميع كل باسمه, وتوالت كلمة "حاضر" تتكرر رتيبة من أفواه مختلفة, وكنت قد أكدت حضوري برفع يدي اليمنى. ونظر الينا المعلم بنظرة سريعة ثم قال :

-   ليعلم الجميع أنه لا يسمح لكم بتغيير مقاعدكم بعدما أختار كل منكم مكانه مسبقا, وذلك طيلة أشهر الدورة الأولى.

بدا المعلم صارما جدا, لكنني كنت مرتاحا في مقعدي, أنا في موقع يسمح لي برؤية السبورة بشكل واضح, ومن السهل جدا بالنسبة لي رؤية كل الاتجاهات.

   استدار معلمنا نحو السبورة وأخد بكتابة تاريخ اليوم, ورسم جدولا للاستعمال الزمن, ونسخ لنا على ورق مقوى الأدوات المدرسية التي وجب علينا احضارها في الحصة المقبلة, وهكذا بدأ أول يوم لي في المدرسة, وإن كان حدسي صادقا يمكنني القول بأنني أخيرا حظيت بصديق جديد.                                                                                  
                                                                                                                          بنسركاو، اكادير

إرسال تعليق

طفولتنا إزدهارنا ومستقبلنا

أحدث أقدم